الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
هَلْ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ أَمْ لاَ قال أبو محمد رحمه الله : حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ : إنَّ فِي كِتَابٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ حَارَبَ الدِّينَ , وَإِنْ قَتَلَ أَبَاهُ , أَوْ أَخَاهُ , فَلَيْسَ إلَى طَالِبِ الدَّمِ مِنْ أَمْرِ مَنْ حَارَبَ الدِّينَ وَسَعَى فِي الأَرْضِ فَسَادًا شَيْءٌ " وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَقَالَ لِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى مِثْلَ هَذَا سَوَاءً سَوَاءً حَرْفًا حَرْفًا. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : عُقُوبَةُ الْمُحَارِبِ إلَى السُّلْطَانِ , لاَ تَجُوزُ عُقُوبَةُ وَلِيِّ الدَّمِ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ , قَالَ : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ قال أبو محمد رحمه الله : وَبِهَذَا نَقُولُ ; لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ رُوِّينَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرْنَاهُمَا فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " " وَكِتَابِ الصِّيَامِ " " وَبَابِ وُجُوبِ قَضَاءِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ ". " وَقَضَاءِ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ عَنْ الْمَيِّتِ ". اقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ , دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى. وَبِقَوْلِهِ عليه السلام فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ قال أبو محمد رحمه الله : فَلَمَّا اجْتَمَعَ حَقَّانِ : أَحَدُهُمَا لِلَّهِ , وَالثَّانِي لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَحَقَّ بِالْقَضَاءِ وَدَيْنُهُ أَوْلَى بِالأَدَاءِ , وَشَرْطُهُ الْمُقَدَّمُ فِي الْوَفَاءِ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ , فَإِنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ , أَوْ صَلَبَهُ لِلْمُحَارَبَةِ , كَانَ لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْمَقْتُولِ ; لأََنَّ حَقَّهُ فِي الْقَوَدِ قَدْ سَقَطَ , فَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الدِّيَةِ , أَوْ الْعَفْوِ عَنْهَا , عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الْقِصَاصِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِنْ اخْتَارَ الْإِمَامُ قَطْعَ يَدِ الْمُحَارِبِ , وَرِجْلِهِ , أَوْ نَفْيِهِ : أَنْفَذَ ذَلِكَ , وَكَانَ حِينَئِذٍ لِلْوَلِيِّ الْخِيَارُ فِي قَتْلِهِ , أَوْ الدِّيَةِ , أَوْ الْمُفَادَاةِ , أَوْ الْعَفْوِ ; لأََنَّ الْإِمَامَ قَدْ اسْتَوْفَى مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْخِيَارَ فِيهِ وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ يُسْقِطُ حَقَّ الْوَلِيِّ , إذْ مُمْكِنٌ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَقَدْ تَنَاقَضَ هَاهُنَا الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , أَسْمَجَ تَنَاقُضٍ ; لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي الْحَجِّ , وَالصِّيَامِ , وَالزَّكَاةِ , وَالْكَفَّارَاتِ , وَالنُّذُورِ , بِأَنَّ حُقُوقَ النَّاسِ أَوْلَى مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّ دُيُونَ الْغُرَمَاءِ أَوْجَبُ فِي الْقَضَاءِ مِنْ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى , وَأَنَّ شُرُوطَ النَّاسِ مُقَدَّمَةٌ فِي الْوَفَاءِ عَلَى شُرُوطِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَرَكُوا هَاهُنَا هَذِهِ الأَقْوَالَ الْفَاسِدَةَ , وَقَدَّمُوا حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. مَانِعُ الزَّكَاةِ قال أبو محمد رحمه الله : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ خُشَافٍ السُّلَمِيَّةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الرَّبِيعِ الطَّفَرِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ تُؤْخَذُ صَدَقَتُهُ فَجَاءَهُ الرَّسُولُ فَرَدَّهُ , فَرَجَعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اذْهَبْ إلَيْهِ , فَإِنْ لَمْ يُعْطِ صَدَقَتَهُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَقُلْت لِحَكِيمٍ : مَا أَرَى أَبَا بَكْرٍ قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ إِلاَّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ : أَجَلْ قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مَمْلُوءٌ آفَاتٍ مِنْ مَجْهُولِينَ , وَمُتَّهَمِينَ , وَحُكْمُ مَانِعِ الزَّكَاةِ إنَّمَا هُوَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ , فَإِنْ مَانَعَ دُونَهَا فَهُوَ مُحَارِبٌ , فَإِنْ كَذَّبَ بِهَا فَهُوَ مُرْتَدٌّ , فَإِنْ غَيَّبَهَا وَلَمْ يُمَانِعْ دُونَهَا فَهُوَ آتٍ مُنْكَرًا , فَوَاجِبٌ تَأْدِيبُهُ أَوْ ضَرْبُهُ حَتَّى يُحْضِرَهَا أَوْ يَمُوتَ قَتِيلَ اللَّهِ تَعَالَى , إلَى لَعْنَةِ اللَّهِ. كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ وَهَذَا مُنْكَرٌ , فَفَرْضٌ عَلَى مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. هَلْ يُبَادِر اللِّصَّ أَمْ يُنَاشِدُ قال أبو محمد رحمه الله : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى , قَالاَ جَمِيعًا : حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ أَخِيهِ الْحَكَمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ عَنْ أَبِيهِ هُوَ الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْن فهيذ بْنِ مُطَرِّفِ الْغِفَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ سَائِلٌ إنْ عَدَا عَلَيَّ عَادٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ , قَالَ : فَإِنْ أَبَى عَلَيَّ فَأَمَرَهُ بِقِتَالِهِ. وَقَالَ عليه السلام : إنْ قَتَلَكَ فَأَنْتَ فِي الْجَنَّةِ , وَإِنْ قَتَلْتَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ. حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ الضَّبِّيُّ ، حَدَّثَنَا الْعُقَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا جَدِّي ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ السُّلَمِيُّ هُوَ الْقَصَّابُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الدَّارُ حَرَمٌ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْكَ حَرَمَكَ فَاقْتُلْهُ قال أبو محمد رحمه الله : الْحَدِيثُ الأَوَّلُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ , فَفِيهِ : الْحَكَمُ بْنُ الْمُطَّلِبِ , وَلاَ يُعْرَفُ حَالُهُ وَالْخَبَرُ الثَّانِي فِيهِ : مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْقَصَّابُ وَهُوَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ , وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قال أبو محمد رحمه الله : وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الأَخْبَارِ الَّتِي صَدَّرْنَا بِهَا فِي " كِتَابِنَا فِي الْمُحَارِبِينَ " مِنْ إبَاحَةِ الْقَتْلِ دُونَ الْمَالِ وَسَائِرِ الْمَظَالِمِ , لَكِنْ إنْ كَانَ عَلَى الْقَوْمِ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ , أَوْ الْوَاحِدِ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ , أَوْ الْمَدْخُولِ عَلَيْهِ مَنْزِلُهُ فِي الْمِصْرِ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فِي أَخْذِ مَالِهِ , أَوْ فِي طَلَبِ زِنًا : أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , مُهْلَةً , فَالْمُنَاشَدَةُ فِعْلٌ حَسَنٌ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فأما لَوْ كَانَ اللِّصُّ مِنْ الضَّعْفِ بِحَيْثُ لاَ يُدَافِعُ أَصْلاً , أَوْ يُدَافِعُ دِفَاعًا يُوقِنُ مَعَهُ أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ صَاحِبِ الدَّارِ فَقَتَلَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ; لأََنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ , فَهُوَ مُتَعَدٍّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ الضَّبِّيُّ قَالَ : قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : إنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْتَدِرَك اللِّصُّ فَابْدُرْهُ قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قال أبو محمد رحمه الله : حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : قُلْت لِلزُّهْرِيِّ : إنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ إذْ هُوَ عَامِلٌ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ضَرَبَ آخَرَ بِالسَّيْفِ فَضَحِكَ الزُّهْرِيُّ وَقَالَ لِي : أَوَ هَذَا مِمَّا يُؤْخَذُ بِهِ إنَّمَا كَتَبَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ رَجُلٍ ضَرَبَ آخَرَ بِالسَّيْفِ قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَدَعَانِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاسْتَفْتَانِي فِي قَطْعِهِ فَقُلْت لَهُ : أَرَى أَنْ يَصْدُقَهُ الْحَدِيثَ , وَيُكْتَبَ إلَيْهِ : أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ ضَرَبَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْطَعْ النَّبِيُّ عليه السلام يَدَهُ وَضَرَبَ فُلاَنٌ فُلاَنًا بِالسَّيْفِ زَمَنَ مَرْوَانَ فَلَمْ يَقْطَعْ مَرْوَانُ يَدَهُ , وَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بِذَلِكَ , فَمَكَثَ حِينًا لاَ يَأْتِيهِ رَجَعَ كِتَابُهُ ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ الْوَلِيدُ : أَنَّ حَسَّانًا كَانَ يَهْجُو صَفْوَانَ وَيَذْكُرُ أُمَّهُ وَنِسَاءَ أُخَرَ , قَدْ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ. وَذَكَرْت : أَنَّ مَرْوَانَ لَمْ يَقْطَعْ يَدَهُ , وَلَكِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ قَطَعَ يَدَهُ , فَاقْطَعْ يَدَهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَقَطَعَ عُمَرُ يَدَهُ وَكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ الَّتِي كَانَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهَا قال أبو محمد رحمه الله : إنْ كَانَ رَفَعَ السَّيْفَ عَلَى سَبِيلِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ فَهُوَ مُحَارِبٌ , عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُحَارِبِ , وَإِنْ كَانَ لِعُدْوَانٍ فَقَطْ , لاَ قَطْعِ طَرِيقٍ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَقَطْ , إلَى الْمَجْرُوحِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ جُرْحٌ فَلاَ شَيْءَ إِلاَّ التَّعْزِيرَ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَطْعُ الطَّرِيقِ مِنْ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَعَلَى الذِّمِّيِّ سَوَاءٌ وَذَلِكَ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَصَّ عَلَى حُكْمِ مَنْ حَارَبَهُ وَحَارَبَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ سَعَى فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ مُسْلِمًا مِنْ ذِمِّيٍّ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَلَيْسَ هَذَا قَتْلاً لِلْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ , وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا , لَكِنَّهُ قَتْلٌ لَهُ بِالْحِرَابَةِ , وَيَمْضِي دَمُ الذِّمِّيِّ هَدَرًا. وَكَذَلِكَ الْقَطْعُ عَلَى امْرَأَةٍ , أَوْ صَبِيٍّ , أَوْ مَجْنُونٍ , كُلُّ ذَلِكَ مُحَارَبَةٌ صَحِيحَةٌ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ الْمُحَارَبَةِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ إنْ حَارَبَ فَلَيْسَ مُحَارِبًا , لَكِنَّهُ نَاقِضٌ لِلذِّمَّةِ ; لأََنَّهُ قَدْ فَارَقَ الصَّغَارَ , فَلاَ يَجُوزُ إِلاَّ قَتْلُهُ ، وَلاَ بُدَّ , أَوْ يُسْلِمَ , فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلاً فِي كُلِّ مَا أَصَابَ مِنْ دَمٍ , أَوْ فَرْجٍ , أَوْ مَالٍ , إِلاَّ مَا وُجِدَ فِي يَدِهِ فَقَطْ ; لأََنَّهُ حَرْبِيٌّ لاَ مُحَارِبٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْمُسْلِمُ يَرْتَدُّ , فَيُحَارِبُ فَعَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُحَارِبِ كُلِّهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ اقْتَصَّ مِنْهُمْ قَوَدًا , وَأَقَامَ عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْمُحَارَبَةِ وَكَانُوا مُرْتَدِّينَ مُحَارِبِينَ مُتَعَدِّينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ صِفَةُ الصَّلْبِ لِلْمُحَارِبِ قال أبو محمد رحمه الله : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي صِفَةِ الصَّلْبِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْمُحَارِبُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ : يُضْرَبُ عُنُقُهُ بِالسَّيْفِ ثُمَّ يُصْلَبُ مَقْتُولاً زَادَ الشَّافِعِيُّ : وَيُتْرَكُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يُنْزَلُ فَيُدْفَنُ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَأَبُو يُوسُفَ : يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُطْعَنُ بِالْحَرْبَةِ حَتَّى يَمُوتَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الظَّاهِرِينَ : يُصْلَبُ حَيًّا وَيُتْرَكُ حَتَّى يَمُوتَ , وَيَيْبَسَ كُلُّهُ وَيَجِفَّ , فَإِذَا يَبِسَ وَجَفَّ أُنْزِلَ , فَغُسِّلَ , وَكُفِّنَ , وَصُلِّيَ عَلَيْهِ , وَدُفِنَ قال أبو محمد رحمه الله : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ : يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ مَقْتُولاً , يَحْتَجُّونَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي " كِتَابِ الدِّمَاءِ " مِنْ دِيوَانِنَا كَيْفَ يَكُونُ الْقَوَدُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ. وَمِنْ قَوْلِهِ عليه السلام أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ. وَمِنْ نَهْيِهِ عليه السلام أَنْ يُتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا وَلَعْنِهِ عليه السلام مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الأَحَادِيثَ هُنَالِكَ بِأَسَانِيدِهَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهَا. وَقَالُوا : طَعْنُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ لَيْسَ قِتْلَةً حَسَنَةً , وَلاَ عَفِيفَةً , وَهُوَ اتِّخَاذُ الرُّوحِ غَرَضًا , فَهَذَا لاَ يَحِلُّ وَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى قَتْلَهُ مَصْلُوبًا فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَنَا بِالْقَتْلِ عُقُوبَةً , وَخِزْيًا لِلْمُحَارِبِ فِي الدُّنْيَا , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْعُقُوبَةُ وَالْخِزْيُ لاَ يَقَعَانِ عَلَى مَيِّتٍ , وَإِنَّمَا خِزْيُ الْمَيِّتِ فِي الآخِرَةِ لاَ فِي الدُّنْيَا , فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بَطَلَ أَنْ يُصْلَبَ بَعْدَ قَتْلِهِ رَدْعًا لِغَيْرِهِ فَعَارَضَهُمْ الأَوَّلُونَ بِأَنْ قَالُوا : يُصْلَبُ بَعْدَ قَتْلِهِ رَدْعًا لِغَيْرِهِ. فَعَارَضَهُمْ هَؤُلاَءِ بِأَنْ قَالُوا : لَيْسَ رَدْعًا , وَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ لِلْفَاعِلِ , وَخِزْيٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَفِي صَلْبِهِ , ثُمَّ قَتْلِهِ , أَعْظَمُ الرَّدْعِ أَيْضًا قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا كُلُّ مَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَتَانِ مَعًا , وَاَلَّتِي احْتَجَّتْ بِهِ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ حَقٌّ , إِلاَّ أَنَّهُ أَنْتَجُوا مِنْهُ مَا لاَ تُوجِبُهُ الْقَضَايَا الصِّحَاحُ الَّتِي ذَكَرُوا , فَمَالُوا عَنْ شَوَارِعِ الْحَقِّ إلَى زَوَائِغِ التَّلْبِيسِ وَالْخَطَأِ قال أبو محمد رحمه الله : وَذَلِكَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى : فَنَقُولُ : إنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ أَعَفَّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ وَ إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا. وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ , فَهُوَ كُلُّهُ حَقٌّ , كَمَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كُلُّهُ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ بَعْدَ الصَّلْبِ بِرُمْحٍ أَوْ بِرَمْيِ سِهَامٍ , أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَإِنَّمَا فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ وُجُوبُ الْفَرْضِ فِي إحْسَانِ قَتْلِهِ إنْ اخْتَارَ الْإِمَامُ قَتْلَهُ فَقَطْ , وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ وُجُوبُ صَلْبِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ , وَلاَ إبَاحَةُ صَلْبِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ أَلْبَتَّةَ , لاَ بِنَصٍّ , وَلاَ بِإِشَارَةٍ. فأما إحْسَانُ الْقَتْلِ فَحَقٌّ , وَأَمَّا صَلْبُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ , فَدَعْوَى فَاسِدَةٌ , لَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ الَّتِي ذَكَرُوا , وَلاَ غَيْرِهَا فَبَطَلَ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الأَخْبَارِ فِي النُّكْتَةِ الَّتِي عَلَيْهَا تَكَلَّمُوا وَهِيَ الصَّلْبُ بَعْدَ الْقَتْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَسَقَطَ قَوْلُهُمْ , إذْ تَعَرَّى مِنْ الْبُرْهَانِ قال أبو محمد رحمه الله : ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الْمُوجِبَةُ قَتْلَهُ بَعْدَ الصَّلْبِ , فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الصَّلْبَ عُقُوبَةٌ وَخِزْيٌ فِي الدُّنْيَا , كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى , وَإِنَّ الْمَيِّتَ لاَ يُخْزَى فِي الدُّنْيَا بَعْدَ مَوْتِهِ , وَلاَ يُعَاقَبُ بَعْدَ مَوْتِهِ : قَوْلاً صَحِيحًا لاَ شَكَّ فِيهِ وَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الرَّدْعَ يَكُونُ بِصَلْبِهِ حَيًّا قَوْلاً أَيْضًا خَارِجًا عَنْ أُصُولِهِمْ , إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إيجَابُ قَتْلِهِ بَعْدَ الصَّلْبِ , كَمَا قَالُوا , وَلاَ إبَاحَةُ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنَّمَا فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ : إيجَابُ الصَّلْبِ فَقَطْ , فَأَقْحَمُوا فِيهِ الْقَتْلَ بَعْدَ الصَّلْبِ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِمْ , فِي التَّلْبِيسِ وَالزِّيَادَةِ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ , عَلَى النُّصُوصِ مَا لَيْسَ فِيهَا فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا قال أبو محمد رحمه الله : فَلَمَّا بَطَلَ الْقَوْلاَنِ مَعًا وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ , وَالسُّنَّةِ , كَمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فأما عِظَامُهَا فَبِيضٌ وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ يُرِيدُ أَنَّ جِلْدَهَا يَابِسٌ. وَقَالَ الآخَرُ : جَذِيمَةُ نَاهِضٍ فِي رَأْسِ نِيقٍ تَرَى لِعِظَامِ مَا جَمَعَتْ صَلِيبًا يُرِيدُ : وَدَكًا سَائِلاً قال أبو محمد رحمه الله : فَوَجَبَ جَمْعُ الأَمْرَيْنِ مَعًا , حَتَّى إذَا أَنْفَذْنَا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ وَجَبَ بِهِ مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ : مِنْ الْغُسْلِ , وَالتَّكْفِينِ , وَالصَّلاَةِ , وَالدَّفْنِ , عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا. فإن قال قائل : أَلَيْسَ الرَّجْمُ اتِّخَاذُ مَا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا وَكَذَلِكَ قَوْلُكُمْ فِي الْقَوَدِ بِمِثْلِ مَا قُتِلَ فَجَوَابُنَا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : نَعَمْ , وَهُمَا مَأْمُورٌ بِهِمَا , قَدْ حَكَمَ عليه السلام بِكِلَيْهِمَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا مُسْتَثْنَيَيْنِ مِمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ اتِّخَاذِ الرُّوحِ غَرَضًا , فأما الرَّجْمُ فَبِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ , وَأَمَّا الْقَوَدُ فَبِالنَّصِّ الْجَلِيِّ فِي رَضْخِ رَأْسِ الْيَهُودِيِّ وَفِي الْعُرَنِيِّينَ كَمَا قُلْتُمْ أَنْتُمْ وَنَحْنُ فِي أَنَّ الْقِصَاصَ مِنْ قَطْعِ الأَيْدِي , وَالأَرْجُلِ , وَسَمْلِ الأَعْيُنِ , وَجَدْعِ الأَنْفِ , وَالآذَانِ , وَقَطْعِ الشِّفَاهِ , وَالأَلْسِنَةِ , وَقَلْعِ الأَضْرَاسِ , حَقٌّ وَاجِبٌ إنْفَاذُهُ , مُسْتَثْنَيَيْنِ مِنْ الْمُثْلَةِ الْمُحَرَّمَةِ , وَلاَ فَرْقَ فإن قال قائل : فَإِنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ وَ إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَأَنْتُمْ تَقْتُلُونَهُ أَوْحَشَ قِتْلَةٍ وَأَقْبَحَهَا : جُوعًا , وَعَطَشًا , وَحَرًّا , وَبَرْدًا فَنَقُولُ : وَمَا قَتَلْنَاهُ أَصْلاً , بَلْ صَلَبْنَاهُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى : وَمَا مَاتَ إِلاَّ حَتْفَ أَنْفِهِ , وَمَا يُسَمَّى هَذَا فِي اللُّغَةِ مَقْتُولاً فَإِنْ قَالُوا : فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ فِيمَنْ سَجَنَ إنْسَانًا وَمَنَعَهُ الأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى مَاتَ إنَّهُ يُسْجَنُ وَيُمْنَعُ الأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى يَمُوتَ , فَهَذَا قَتْلٌ بِقَتْلٍ فَنَقُول : إنَّ هَذَا لَيْسَ قَتْلاً , وَلاَ قَوَدًا بِقَتْلٍ , بَلْ هُوَ ظُلْمٌ وَقَوَدٌ مِنْ الظُّلْمِ فَقَطْ. وبرهان ذَلِكَ : أَنَّ رَجُلاً لَوْ اتَّفَقَ لَهُ أَنْ يَقْفِلَ بَابًا بِغَيْرِ عُدْوَانٍ , فَإِذَا فِي دَاخِلِ الدَّارِ إنْسَانٌ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ , فَمَاتَ هُنَالِكَ جُوعًا وَعَطَشًا : أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَى قَافِلِ الْبَابِ أَصْلاً , وَلاَ دِيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ ; لأََنَّهُ لَيْسَ قَاتِلاً فإن قيل : إنَّكُمْ تَمْنَعُونَهُ الصَّلاَةَ وَالطَّهَارَةَ قلنا : نَعَمْ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ أَمَرَ بِصَلْبِهِ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَتَمُرُّ عَلَيْهِ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ , فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِإِزَالَةِ التَّصْلِيبِ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَلاَ يَسَعُ مُسْلِمًا , وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ و لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. صِفَةُ الْقَتْلِ فِي الْمُحَارِبِ قال أبو محمد رحمه الله : لاَ خِلاَفَ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْوَاجِبَ فِي الْمُحَارِبِ إنَّمَا هُوَ ضَرْبُ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ فَقَطْ , وَأَمَّا قَطْعُهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : قال أبو محمد : أَمَّا الْحَسْمُ فَوَاجِبٌ ; لأََنَّهُ إنْ لَمْ يُحْسَمُ مَاتَ , وَهَذَا قَتْلٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , وَقَدْ قلنا : إنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُجْمَعَ عَلَيْهِ الأَمْرَانِ مَعًا ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ بِلَفْظِ " أَوْ " وَهُوَ يَقْتَضِي التَّخْيِيرُ ، وَلاَ بُدَّ. وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى جَمْعَ ذَلِكَ لَقَالَ : أَنْ يُقَتَّلُوا وَيُصَلَّبُوا وَتُقَطَّعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ. وَهَكَذَا قوله تعالى وَقَوْله تَعَالَى فإن قال قائل : فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ قَالَتْ : جَالِسْ الْحَسَنَ , أَوْ ابْنَ سِيرِينَ وَكُلْ خُبْزًا , أَوْ تَمْرًا وَقَالَ تَعَالَى قلنا : أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَصَحَّ أَنَّ ذِكْرَهُ تَعَالَى لِلْكَفُورِ تَأْكِيدٌ أَبَدًا , وَإِلَّا فَالْكَفُورُ دَاخِلٌ فِي الآثِمِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْعَرَبِ : جَالِسْ الْحَسَنَ , أَوْ ابْنَ سِيرِينَ وَكُلْ خُبْزًا , أَوْ تَمْرًا , فَنَحْنُ لاَ نَمْنَعُ خُرُوجَ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ بِدَلِيلٍ , وَإِنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ بِالظُّنُونِ وَالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ. وَإِنَّمَا صِرْنَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : جَالِسْ الْحَسَنَ , أَوْ ابْنَ سِيرِينَ : إبَاحَةٌ لِمُجَالَسَتِهِمَا مَعًا , وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ : كُلْ خُبْزًا , أَوْ تَمْرًا أَيْضًا , وَلاَ فَرْقَ بِدَلِيلٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ مِنْ حَالِ الْمُخَاطَبِ , وَلَوْلاَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ لَمَا جَازَ إخْرَاجُ " أَوْ " عَنْ مَوْضُوعِهَا فِي اللُّغَةِ أَصْلاً وَمَوْضُوعُهَا , إنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ أَوْ الشَّكُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى لاَ يَشُكُّ , فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ التَّخْيِيرُ فَقَطْ قال أبو محمد : وَلَوْ قَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَى يَدَيْهِ , وَيُمْنَى رِجْلَيْهِ , لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ , عَمْدًا فَعَلَهُ أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنُصَّ عَلَى قَطْعِ يُمْنَى يَدَيْهِ دُونَ يُسْرَى , وَإِنَّمَا ذَكَرَ تَعَالَى الأَيْدِي وَالأَرْجُلَ فَقَطْ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَمِنْ ادَّعَى هَاهُنَا إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبَ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ , وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُوجِدَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً , وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|